هذا الصندوق ليس للإزعاج بل هو للترحيب بكم
فإن كان يزعجكم اضغط على ( إخفاء ) ـ
و إن كان يهمكم أمر المنتدى فيسعدنا انضمامكم
بالضغط على ( التسجيل ) تظهر بيانات التسجيل البسيطة
بعدها تصبحون أعضاء و ننتظر مشاركتكم

يا ضيفنا.. لو جئتنا .. لوجدتنا *** نحن الضيوف .. و أنت رب المنزل ِ
فأهلا بكم

فى منتديات صقور العنين
هذا الصندوق ليس للإزعاج بل هو للترحيب بكم
فإن كان يزعجكم اضغط على ( إخفاء ) ـ
و إن كان يهمكم أمر المنتدى فيسعدنا انضمامكم
بالضغط على ( التسجيل ) تظهر بيانات التسجيل البسيطة
بعدها تصبحون أعضاء و ننتظر مشاركتكم

يا ضيفنا.. لو جئتنا .. لوجدتنا *** نحن الضيوف .. و أنت رب المنزل ِ
فأهلا بكم

فى منتديات صقور العنين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

اعلان هام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الموقع تم انتهاكه من قبل عناصر مجهوله ونرجوا من الجميع مغادرة الموقع ولكم جزيل الشكر .. صادر عن مدير الموقع ..
اعلان : نتأسف عن اعضائنا و زوارنا الكرام بأن الموقع سيتم ايقافه بسبب انتهاكه

 

 جــــراح ســــاخنه

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قناص حضرموت
المدير العام
المدير العام
قناص حضرموت


عــدد الـمـسـاهــمـات : 2176
الــــجــــنـــــس : ذكر
الــــــمـــــزاج : جــــراح ســــاخنه 2210
الــــــــدولـــــــــه : اليمن
تــقــبـم نــشـــاط الــمـنــتـــدى : 15072
الاسد الـــعـــمــــر : 26

جــــراح ســــاخنه Empty
مُساهمةموضوع: جــــراح ســــاخنه   جــــراح ســــاخنه I_icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 7:35 am

قصص قصيرة

القطار الذي لم يصل
د.طــارق البكري


تمنّى السيد لو يملك عصاً سحريةً يغيّر بها العالم...
يبحث عن خلاص حقيقي لكل شيء من أي شيء خصوصاً الانتظار الممل وعادة تأخّر القطارات المزعجة...
" لا الحياة لا يمكن أن تكون بغيضة إلى هذا الحد الناس يريدونها هكذا.." .
السيد كان يسبح في خياله...
الحبل المربوط بساعد الطفل طرفه الآخر مربوط بساعد المقعد الذي تجلس فيه المرأة...
مسح الرجل نظارته السميكة.. أرخى ربطة عنقه..
"فكرة رائعة لا أدري من أين تأتي النساء بأفكارهن... ماذا دعاها لتقوم بذلك؟ أهي وحيدة؟ أرملة؟ مطلقة...؟ ثوبها يوحي بالفقر الشديد؛ لكن ابنها يرتدي ثياباً فاخرة!.." .
التناقض أثار الرجل سرح بالخيال ترك خياله يسير على راحته.. لم يشأ وقفه؛ فالقطار الذي ينتظره متأخر عن الوصول، يريد التسلية، يريد إمضاء الوقت بسلام، لا يريد النوم فيمضي القطار دونه...
مسح الرجل نظارته مرةً ثانيةً..
"اعتقد أنّ هذه المرأة أرملة.. أظنّ أنّها عائدة إلى قريتها.. لو كان زوجها على قيد الحياة لكان في وداعها.." .
فكر الرجل : أين أقاربها وأصدقائها وجيرانها؟
الطفل ما زال يلعب جوار الأم لا يفارق المكان...
الحبل يمتصّه دوماً إلى مقعد الأم..
الطفل لا يتمرّد لم يتململ من العقدة القاسية في معصمه.. يقفز فرحاً بالنّاس... من حوله يمرّ الناس؛ بعضهم يوقعه أرضا..ً يرتطمون به رغماً عنهم.. لا ينتبهون إليه.. منهم من يصيح به: ابتعد عن الطريق، ومنهم من ينحني يقبّل وجنته الصغيرة...
الأم مشغولة بطفلها وبرضيعها وبالحقيبة...
إلى جانبها رجل مشغول بهم جميعاً...
مسح الرجل نظارته من جديد... غبار القطارات يتعلق بكل شيء.. المنديل تغيّر لونه..
نظر الرجل عبر النّافذة.. ألقى نظره على القطارات المتعاقبة.. شعر بالملل الشديد.. النعاس يدب إلى عينيه، تمنى وصول القطار ليسقط نفسه في مقعد من المقاعد لينام. الخوف من عبور القطار ضيف ثقيل يشاركه جلسته مع الملل...
بلّ منديله بقليل من ماء يحمله في زجاجه؛ مسح جبهته.. مسح جفنيه، يريد مقاومة النعاس حتى النهاية...
الناس يمرون به دون اكتراث.. لم يعد يستطيع متابعة الطفل عن كثب، ضاع الطفل بين سيقان الناس، مازال النعاس يتسلل إلى عينيه بكل وقاحة..
رآه يأكل قطعة خبز فخوراً بنفسه..
ازداد الناس غاب الطفل من جديد عن عينيه... غابت الأم.
بعد مدة قام الرجل من مقعده الجلدي المتحجّر، نظر إلى ساعته، شعر أنّ القطار قد فاته منذ زمن، لم تعد يسمع الصافرات، نظر نحو الطفل؛ وجد المكان خالياً، نظر نحو الأم؛ وجد المقعد خالياً.. اقترب من المقعد، التقط قطعة خبز يابسة كان يحملها الطفل، وجدها على الأرض قرب المقعد، الحبل لا يزال مربوطاً في ساعد المقعد.. حل الرجل الحبل.. لفه على معصمه.. خرج مغادراً قاعة الانتظار.
سأل عن موعد القطار القادم..
عاد في اليوم التالي؛ جلس في مقعد الأم وفي يده الحبل مربوطاً في ساعده وفي يده الأخرى قطعة الخبز اليابسة وتذكرة القطار، يريد أن يرحل ويلحق بالطفل...
سكن المقعد، حنّط قطعة الخبز، نسج من خيطان الحبل ثوباً جديداً.
_______________________________




البيت القديم المهجور



تنحّت جانباً... خلف عمود يرفع على هامته سقفاً تزينه خيوط عنكبوتية؛ بعضها اسودّت مع مرور السنين، وأخر حديثة جداً لم يكمل صاحبها نشر أوصالها...
شعّ في عينيه بريق خافت مسكون بأحلام الماضي... بعد غياب طويل اقتضته ظروف قاسية؛ لم تمح آثارها بعد..
تنهّدت خلف زجاج المنزل المكسور، المكسو بغلالة ناعمة من الغبار الساكن في هذا البهو الواسع الممتد، واهتزت أصابعها وهي تحاول الإمساك بمقبض الباب؛ فأصابها ارتعاش ينبض بتلك الأيام المحملة بالألم والملونة بالدماء...
أشاحت عينيها لوهلة.....
استجمعت كل قواها الخائرة...
عندما همّت بالدخول؛ تفرّست بعلامة قديمة كانت قد حفرتها بمفتاح قديم... قبل أكثر من أربعين سنة..
فزعت، لم تقو قدماها الثقيلتان على الانتقال ولو خطوة واحدة لوطىء تراب المكان، حسبته شيئاً شريفاً لا ينبغي مسّه لسكناه في مكان عزيز عليها... وربما كان اعتداء على حرمة المكان المحفور في الذاكرة.. مثل نقش على صخرة مصقولة...
عادت بها الذاكرة إلى أيام الطفولة...
لا تزال تذكر بعض الكلمات العربية...
أمها "الجبارة" رفضت الانصياع لأمر إخلاء المنزل؛ ظلّت معسكرة فيه حتى ماتت من الجوع.... صارت الطفلة تبكي ووجدت نفسها بعد ذلك في بلاد بعيدة... تعيش بين أسرة طيبة عوضتها فقدانها للأم والأب...
وقفت مذعورة أمام المشاهد المترائية مثل خيالات تتراقص حولها...



د.طارق البكري




******
فجأة...امتدت يد أمي بحنان.. أيقظتني من سبات عميق وأحلام فاتنة...
قالت بحب :
" هيا يا ولدي لقد طلع الفجر.. انهض للصّلاة قبل طلوع الشمس من مرقدها".
نهضت مسرعاً.. رمقت السّاعة التي لا تزال في مكانها مسنّدة ـ هناك ـ على طاولة جانبيّة، أسرعت إلى الوضوء وكتفي لا يزال يشعر بتربيت يد أمي.. الأجمل بكثير من رنين الساعة المنبهة.




المتسوّلة
د.طارق البكري




المــرأة الغامضة
د.طــارق البكري

د.طـارق البكري بقلم :


لم تظهر أي شكل من أشكال الاعتراض .. " حاضر سيدي" قالتها بصوت منكسر لا تملك حتى أن تـعبر في ملامح وجهها عن الرفض .. أبدت الإعجاب.. وافقت فورا على كل ما قاله .. في نفسها كل إمكانيات التمرد ..لكنها امرأة محطمة أو على الأكثر بقايا حطام ..
كانت أفكارها مجمدة ..أحاسيسها مكبله.. عيونها فاترة، تمشي كآلة تحركها أداة التحكم عن بعد .. " حاضر سيدي".. تكفيه هذه العبارة ، لا يريد منها أكثر، يثق بأنها ستنفذ أوامره بدقة تامة.. يعلم أنها تكرهه و تود لو تغرس أنيابها في لحمه تمزق جسده بأظافرها التي تبدو له كمخالب نمرة شرسة في قفص من حديد.
تعطيه ظهرها وتمشي .. يرن جرس الهاتف، يقطع عليه حبال الخوف ، هذا الرعب اليومي الذي يعيشه دون أن يجرؤ على إنهائه .. " أهلا ، كيف أحوالك يا زنبقتي " تجيب بدلال : " توقف عن هذا الكلام ، أنا استحي " .. " أنت تستحين ؟! ها ها ها " ، يضحك ضحكة مجلجلة ..
" هل أنا زنبقتك حقا؟؟" ..
" بل أجمل وأحلى وأغلى زنبقة " ..
"آه.. أتمنى لو أصدقك ".
ينتهي الحوار بموعد مسائي جميل ..
ينادي المرأة : " أريد فنجان قهوة بسرعة " .
" حاضر سيدي "
لا يقدر على منع نفسه من إهانتها، يعلم أنه مخطئ ، لكنه لا يستطيع التوقف عن تصرفاته الغريبة .. اعتاد على ذلك ، لو أراد الآن تغيير أسلوبه معها لعجز ، يظن أنها اعتادت هي أيضا ، ومع ذلك كلما رآها خاف من أنيابها وأظافرها .. يظن أنها ستقضي علــيه يوما ما دون سابق إنذار.. تضع حدا لفظاظته معها..
يرفع هاتفه النقال يطلب سبعة أرقام محفوظة في ذاكرة الهاتف :
" آلو روحي .."
" أين أنت ؟! ظننتك لن تتصل .. "
" اشتقت إليك "
" أتمنى لو أصدقك"
" هل أنت مشغولة اليوم "
" آه يا عفريت .. تتذكرني فقط عندما تريد .."
" لا وغلاك.. أنت دائما في القلب"
" اتمنى لو أصدقك "
" الساعة السابعة في الشقة البحرية ؟"
" اجعلها الخامسة لا أريد أن أتأخر"
" اتفقنا "
تدخل المرأة .. تحمل فنجان القهوة .. كانت تستمع إلى المخابرة قرب الباب ..
" كم هو وقح !! أكرهه .. أكرهه.."
يرمقها بعينيه .. تبدو عليها حالة الرهبة .. لكنه فظ وغليظ ..
من أن يأتي بكلامه المعسول الذي تسمعه على الهاتف...
حفظت كل كلماته المليئة بالكذب تعلم أن كل النساء اللاتي يكلمنه يعلمن أنه يكذب عليهن وأنه يدرك أنهن لا يسعين إلا لماله وهداياه ...
تود لو تقفز وتقبض على عنقه وتخنقه مرة واحدة .. مرات عديدة ، فكرت أن تفعل ، لكنها تخاف منه .. تخاف من عينيه .. تخاف من يديه القويتين ..
كان شعور الخوف متبادلا .. هو يأمرها وهي تقول جملة محددة :
"حاضر سيدي "
لم تجرؤ يوما على الرفض .
تتمنى لو تسحقه تدمره تمزق أمعاءه ..
يرن الهاتف في جيبه :
" من .. آه حبيبتي "
" لم تعرف صوتي .. يا محتال "
" لا .. لا، عرفتك منذ رن الهاتف " أ
" أنت كذاب خفيف الظل .. لم تتصل بي منذ فترة ؟ "
" مشغول جدا "
" كيف أحوالك ؟ لقد وعدتني بإسوارة ذهب ، ومنذ وعدك لي لم أرك ! " .
" إنها جاهزة .. سأتصل بك عندما افرغ من عملي "
" أنت كذاب كذاب ، لكنك كذاب لطيف ، على أي حال لا بأس لقد قضينا وقتا ممتعا وسأنتظرك حتى تمل من الأخريات "
" باي " .
سمعت الحوار من خلف الباب تعلم إنه لا يصدق مع واحدة منهن ..
هكذا حياته لن يتغير ..
فلماذا تظل على أمل يأمر فتستجيب لأمره دون أي كلام ..
فظ معها ، لكنها سعيدة وهو لا يستطيع التخلي عنها لسر لا يعرفه ..
نصحتها صديقتها أن تتجمل له أن توقعه في حبها ..
تقول :
" هذا الرجل ليس له قلب .. التجارة جعلته يتعامل مع الناس بالحساب .. حياته كلها بيع وشراء ونسوان .. "
ومع ذلك كان في قلبها شئ من أمل ..
توترت لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ، قررت ترك العمل والبحث عن عمل جديد ... فجأة انقطعت ، ذهبت دون أن تخبره بأنها ذاهبة ..
شعر بفراغ كبير ..
انقطع عن كل اتصالاته .. اشترى خط هاتف جديد ..
منع سكرتيرته الجديدة من تحويل المخابرات النسائية إليه ..
ضاقت نفسه ، لم يصدق ما حدث له .. بحث عنها في كل مكان . لم تترك عنوانها ولا رقم هاتفها ..
أخيرا وجدها ..
كلف كثيرا من الناس البحث عنها..
وجدها في بيت فقير بعيد في أطراف ضاحية المدينة ..
قالت :
" ليس عندي ما تبحث عنه .. اذهب إلى هؤلاء اللاتي يتصلن بك " .
جثا أمامها .. اعتذر .. أظهر كل الخوف الذي كان يشعر به أبدى كل الرعب الذي يضمره ..
لم تصدقه..
أقسم أنه صادق ..
أخيرا أدرك سر المرأة التي كانت تستمع إليه وتقول : " حاضر سيدي " ..
الآن صار يقول لها:
" حاضر يا زوجتي الغالية " .





حزمة المال
د.طارق البكري

ذاكرة الألم

عاد من رحلته يائساً بائساً..
تخطّ قدماه في الأرض السهلة، تفوح منه رائحة عطر أنثوي يثير الغرائز.
ظنّ أنّه تحرر من قيود التاريخ وحواجز الزمن..
تناسى أنّه خليط من ماض وحاضر، نتاج هذا النسيج المركب، ابن هذا الزمان الذي يحاول الانفكاك منه ، وما استطاع إلى ذلك سبيلاً...
أصرّ بينه وبين نفسه على أنّه مغامر ماهر... أثبت أخيراً رجولته المنسية المسكونة بغلالات رقيقة من الألم والجوع والفقر، والمكوث طويلاً على أعتاب أصحاب الشأن وفي طوابير العاطلين الباحثين عن عمل...
نسيَ أنّ هنالك ملايين مثله...
طموحه الذي تكسّر على صخرة الواقع لم يجبر... بحث لنفسه عن مغامرة حقيقية مهما كلفه ذلك من عرق جبين.. المهم أنّه أثبت للعالم ولنفسه أنّه رجل قادر على كسر القيود.. يستطيع التغلب على ما يفرضه الناس عليه من حجر لأنه عاطل.. لكنّه لم يقصر بحثاً عن عمل شريف..
عمل حتى في تمديد المجاري الصحية، مع أنّه يملك شهادة عالية..
صديقته التي أحبها في الجامعة تخلّت عنه أمام أوّل طارق باب يملك شقّة وسيّارة وحساباً في البنك.. ما زال يتحسر على نفسه.. لم تستطع كل كميات الخمور الرديئة التي شربها لأول مرة أن تمحي ذاكرة الألم..
ظلّ يمشي لا يدري إلى أين ؟
يريد أن يرغم نفسه على الإيمان أنَّ المغامرة الأخيرة أشعرته بالبطولة.. بل إنَّه اليوم هو البطل الحقيقي، يضاهي أبطال السينما العالمية، وجهه الشاحب الذي لوحته الشمس بنارها كان يلمح إلى عكس ما يريد ..
"ما أحلاها من ليلة..".
عاد يهذي.. الخمر خرَّبت رأسه لكنها لم تمح ذاكرة الألم..
أخيراً وصل..
فتح نافذته المطلة على الشارع المظلم..
الشارع أشدّ سواداً من غابة في.. غابة ليس فيها قمر..
النَّاس في حارته ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة. عملهم يبدأ مع أذان الفجر.. يخرجون رجالاً نساءً وأطفالاً يبحثون عن أرزاقهم في كل مكان ولا يبقى في الحارة أحد.. قد يظنّها العابرون مليئةً بالأشباح ليلاً و نهاراً.. الحركة فيها تقتصر على وقتين لا ثالث لهما: بعد أذان الفجر وعند عودة الناس منهوكين متعبين حتى الثمالة قبيل مغرب الشمس...
يتسللون إلى غرفهم الرطبة وفرشهم العفنة... يفعلون الشيء الوحيد الذي يحبونه.. يلقون على رؤوسهم بطانيات بالية... يغرقون في نوم عميق مثل آلات علاها الصدأ...
هو وحده تمرّد... اكتشف نفسه في تلك الليلة..
مزّق شهادة الجامعة... شعر أنّ وجوده لا فائدة منه.. اكتشف فجأة أنه شيء ما لا يمت إلى ماضٍ أو حاضر.. تجسد الواقع الذي لا يجسّد واقعه... فكّر؛ ربما لأول مرّة في سنيّ عمره الذي تجاوز الأربعين... قرر التمرد مع سبق الإصرار والترصد..
مساكين أهل هذا الحي الفقير..
فقير؟؟؟
بل معدم، لا تغريهم الحياة..
لا يهمهم إلا الكدح. من الفجر حتى غروب الشمس، وبين المغرب والعشاء يمارسون الغريزة إذا استطاعوا..
لينسوا، للحظات قليلة فقط، تعب النهار وشقاوة الحياة..
وغالبا ما يعجزون..
وحده قرر اختراق حدود العقل وذاكرة الألم...
رسم في رأسه أفكار الموت البطيء، الموت لا يمكن... إنَّها حياة حينما يعز الموت..
غسل يده بصابونة قديمة حركها بصعوبة تحت ماء بارد، مثل الثلج، يابسة، مثل الصخر، من ندرة الاستعمال..
"لا أقبل أن أكون ذلك الإنسان اللاشيء."
اللاشيء حقيقة الفراغ..
يدمِّر التفاصيل الصغيرة حتى الإنسان نفسه.
مغامرة حقيقية خاضها... لم يكن يملك إلا تلك الدراهم البسيطة..
أضاعها كلها على ليلة حمراء، كان يعلم أنّ تلك الغانية تضحك عليه، توهمه أنه بطل... أنه رجل، مع أنّه في الحقيقة لا يدرك معنى الرجولة..
لم يترك فرصة لنفسه.
شرب حتى الثّمالة من أردأ أنواع الشراب, لم يستطع تغييب ذاكرة الألم.. استجمع كل قواه المتبقِّية..
غسل رأسه في طست نحاسي ورثه عن أجداده..
نقع رأسه في الطست، الماء بارد بارد..
أيقن أن لا فائدة من كل ذلك.
النّور بدأ يتسلل برفق، ذاكرة الألم على حالها.. الحارة تغرق في ضوء جديد، وجه الغانية الساخر وهي تطرده بعد أن أخرج من جيبه آخر الدراهم لا يستطيع نسيانه..
"لا بأس... المهم أنني تأكدت من رجولتي، أو على الأقل هذا ما بدا لي".
يتمتم أمام المرآة المتكسِّرة المجروحة من كل جانب... الموروثة هي أيضاً عن أجداده..
"لماذا تعلمت؟؟ ألم يكن الأجدر بي أن أكون فرَّانا أو بنَّاءً؟؟".
عاد إلى صمته.. ارتدى ثوبه الوحيد مرةً ثانية... لم يغسل فمه...
بقايا الخمر الرديء ما زالت تفوح من فمه.
ذهب إلى محطة القطار القريبة، اندس داخل الدرجة الأخيرة .. تلك الدرجة التي يبقى فيها الناس وقوفاً فترةً طويلةً طويلةً..
ترك القطار يسير به حيثما شاء.. يتخفّى من قاطع التذاكر... يبحثُ عن تذكرة واقعة على أرض القطار... يبحث عن محطة جديدة تبعده عن حارته؛ عن ذاكرة الألم، عن تلك الغانية الحمقاء التي ضحكت عليه ونزعت جيوبه من قروشه البسيطة، ثم رمته كقشرة موز تدوسها الأقدام، لا قيمة لها..




في بيتنا القديم حديقة واسعة واسعة ، في وسطها شجرة كبيرة، عتيقة عتيقة، شاخت مع مضي السنين .. أحبـبتها منذ الصغر، كان لي معها قصص وحكايا على مدى الفصول ومراحل الطفولة والشباب ..
كان أبي يقول إنّ أمّه ، رحمها الله ، غرستها شتلة صغيرة منذ زمن بـعيد، لا يدري متى بالتحديد فقد كان طفلاً، وهي تحمل في قلبه ذكريات غالية عزيزة .
لذا ظلّ يرعاها ويهتم بها كأنّها فرد من أسرتنا ، يقوم بتنظيف الأرض من الأوراق الساقطة منها ، بالرغم من وجود جنايني مهمته رعاية زهور وأشجار الحديقة الكبيرة.. يعتبر أوراقها الساقطة شيئاً غالياً .
في موسم التفاح كنا نفرح كثيراً عندما يقوم أبي بنفسه بقطف ثمارها ويقدّمها لنا ، باعتبارها أحلى وأغلى هديّة سنويّة مستمرّة من أمّه، يرحمها الله .
كنّا نشعر وكأنّ هناك عيداً اسمه: "عيد التفاح" ..
كنا نترقب الموعد يوماً بعد يوم لنرى تلك الفرحة الغامرة التي يعيشها أبي وهو يراقب الشجرة تزهر وتثمر .. وتخرج خيراتها ، "هدية الأم" ، جدتنا الغالية ..
كان أبي يمنعنا من الاقتراب منها ، حتى بعد أن ينتهيَ الموسم ، ولم يكن يسمح لنا باللعب في ظل الشجرة كيلا نتسلقها ونكسر أغصانها ..
لقد كان يحمل لها في قلبه حباً وفياً ، أصدق من روايات الوفاء والحب التي نسمع عنها الكثير الكثير .. من شدّة حرصه على الشجرة؛ بنى حولها سوراً خشبياً مرتفعاً فلا يمكن الوصول إليها إلا عبر بوابة صغيرة، ولها قفل ومفتاح واحد، مكانه الدائم في خزانة أبي ...
مع الأيام كبرنا وكبر أبي وشاخت الشجرة..
أصبح منظرها لا يتوافق مع مشهد الحديقة العام...
موقعها يتنافر مع موقع الأشجار الأخرى التي تحيط بالحديقة ، وتشكل سوراً طبيعيا.ً كنت أعرف أنّ إعدام الشجرة كان مستحيلاً؛ اخترت أهون الحلول، عرضت على أبي أن ننقلها بعناية إلى مكان مناسب في أحد الأركان، وبذلك تبقى في الحديقة، ولا تسبب تشويهاً للمنظر ..
احمرّ وجه أبي غيظاً ... انتفض في مجلسه غاضباً .. قال كلمة الفصل :
" لن تنتقل الشجرة من مكانها ما دمت حياً " .
احترمنا إرادة أبي ... لم يجرؤ أحد من إخوتي على اجتثاثها رغم ما تسببه لنا من إزعاج .
عند وفاة أبي لم يوص أحداً بالشجرة التي أحب وأخلص لها طوال عمره، لقد كان بإمكانه أن يوصيَ بها لكنّه عرف مقدار المعاناة التي تحمّلها من أجلها ، لتبقى ذكرى جميلة من أمّه ... فإن كانت ملزمة في حق نفسه ؛ فإنها ليست بالضرورة ملزمة في حق أولاده ..
أغلق عينيه بصمت ... لم يطلب من أحد منا المحافظة على الشجرة في مكانها..
والآن ، وبعد سنوات طويلة ، لا تزال الشجرة في مكانها، جفّت عروقها وأغصانها... لا تثمر .. لا ورق فيها إلا ما ندر .. لولا اخضرار بسيط فيها لأعلنّا موتها منذ زمن بعيد ...
وفي يوم ، اجتمعت زوجتي وأولادي ... ثم خرجوا ليعلنوا قراراً بالإجماع: "لا للشجرة لا نريدها لقد أصبح شكلها مخيفاً ومزعجاً " .
صاحوا جميعاً :
"إنّها عجوز لا فائدة منها " .
لم أغضب .. لم أرفع صوتي .. بل تمتمت بهدوء، مكرراً ما قاله أبي قبل سنين طويلة :
" لن تنزع هذه الشجرة من مكانها ما دمت حياً " .
اللهم ارحم أبي وجدتي.


كنت أبلع ريقي حال مخاطبتي إياه، متلمساً أطراف أناملي، مراقباً كلماته المرسلة بتأدب شديد واختيار حريص، خلاف غيره من الأصدقاء، وأظل مبتسماً مهما تداعت الخطوب، خشية استفزازه وانتشاله من لحظات الهدوء النادرة التي كنت أعشقها وأعرفها كخبير محنّك يميّز بين الماس الحقيقي والمزيف...
عرفته منذ زمن بعيد.. لا أدري متى تحديداً.. ربما من ثلاثين سنة، ربما أكثر، حتى إنّي نسيت كيف التقينا وفي أي مناسبة، ولماذا أغرقت في ودّ هذا المصقول بالتّجارب الزاخر بالخفايا؟...
كان صديقي القريب وكنت صديقه الوحيد...
بقيت صامداً رغم انفضاض الكلّ عنّه وتأرجحه في دوامه من الحدّة تفشّت في نفسه، بوضوح، طبع أصيل لا ينفك عنه في أفضل الظروف والمواقع...
عصبيته الزائدة فتّاكة نسفت كل الأشياء الجميلة التي يخفيها تحت كومة من الأشواك المسنّنة الحادة...
عاش حياته متناقضاً، لا يمكن أن تفهم ما يريد... ساعةً تراه محباً طيباً ليناً، مستعداً للتنازل عن كل ما يملك لقاء ابتسامة يتلقاها رضيّة من محتاج...
فجأة، دون إنذار أو سبب مفهوم، ينقلب قاطعاً خيوط التّماس، وغالباً ما قذف بعضاً ممن يكون حولـه بكأس ماء أو ملعقة أو بجهاز هاتفه النقال، لسبب أو لغير سبب....
ورغم هذا أحببته بصدق... ربما أكثر من زوجته وأولاده الذين فروا يائسين خائفين، عيل صبرهم فتركوه يمارس هواية القسوة، وكأنّه يتلذّذ عندما يمعن حتى الإضرار..
نعم أحببته... لامني الناس على محبتي؛ حتى زوجتي.. فالأمر لم يكن بيدي، كنت أتنازل عن رأيي الذي أعتبره صائباً وأتخلّى عن كبريائي واعتزازي بنفسي أمامه، لأني أحببته بصدق وآمنت بطيب معدنه، ولو بدا للناس غير ذلك....
في البداية حاولت جاهداً ثنيه عن عصبيته الفريدة من نوعها، ثم تراجعت..
مرّة قلت له مستغلاً لحظة صفائه عارض:
"الغضب مطية الضعفاء"...
انقض عليّ.. كاد يهشم رأسي لولا فراري من أمامه فرار "الشجعان"....
وما زلت أذكر ذلك النادل المسكين الذي كسر عظم يده لأنه أوقع على ثوبه الجديد القليل من الحساء الساخن، فقعد في جبيرته لأيّام، فيما حلّ صديقي ضيفاً على السجن، إلى أن رفق به النادل وتنازل عن حقّه بعد إلحاح ورجاء وتعويض مجزّ منيّ...
كان سراً. لا لشيء إلا مخافة أن يصيبني ما أصاب النادل المسكين..
لم أفهمه يوماً، ربما لقصور في نفسي! وربما لعجز!
لكن هل كل الذين كانوا يحيطون به عاجزون مثلي؟ لست أدري!
كان يفعل المستحيل من أجل إنفاذ حاجة لإنسان وإن كان لا يعرفه، فقد كان خدوماً إلى أبعد الحدود، كنت معجباً كثيراً بإصراره الفريد على فعل المستحيل....
لا يتردد في الدخول إلى مكتب مسؤول كبير وحتى وزير من أجل حل مشكلة إنسان تعرف إليه قبل لحظات.. وربما على باب المسؤول نفسه..
نعم أحببته، رغم كل عصبيته، لأنّه كان صادقاً في كل شيء؛ حتى في غضبه وعنفوانه وثورته.. اليوم صباحاً ودعته للمرة الأخيرة، غادرني رغم أني كنت لصيقاً به على عكس إرادته...
ودّعته من نافذة ترابية أغلقت عليه بهدوء دون أن يعترض كعادته..
رافقته وحدي وبعض البسطاء الذين لا يعرفونه.. حتى أقاربه لم يأت منهم أحد..
تركته هناك تحت الرمال الرطبة...
فوقه شاهد صغير، أكدت له أنني سأزوره من وقت لآخر، متفقّداً ومستذكراً أيّامه التي لا تنسى.. موصياً بمكان يكون لي قريباً منه..
واليوم.. ورثت عنه العصبيّة...
أصبحت وحيداً رغم كثرة الذين هم حولي...
والآن فقط، بعدما لملم أوراقه وتركني في وحدتي فهمته....
نعم.... فهمته، ربما أبلغ مما أفهم نفسي....
من سجن الحياة إلى سجن النساء
د.طارق البكري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hawks-alaneen.yoo7.com
امل الحياه
 
 
امل الحياه


عــدد الـمـسـاهــمـات : 355
الــــجــــنـــــس : انثى
الــــــمـــــزاج : جــــراح ســــاخنه Qatary32
الــــــــدولـــــــــه : اليمن
تــقــبـم نــشـــاط الــمـنــتـــدى : 9915
العذراء الـــعـــمــــر : 34

جــــراح ســــاخنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: جــــراح ســــاخنه   جــــراح ســــاخنه I_icon_minitimeالأحد يونيو 05, 2011 2:49 pm

بـــــَااااارَكَ الله فـيكـــ

ونفــع بك الامهـــ الاسلاميــه

نــــبراااس الحياهـــ



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قناص حضرموت
المدير العام
المدير العام
قناص حضرموت


عــدد الـمـسـاهــمـات : 2176
الــــجــــنـــــس : ذكر
الــــــمـــــزاج : جــــراح ســــاخنه 2210
الــــــــدولـــــــــه : اليمن
تــقــبـم نــشـــاط الــمـنــتـــدى : 15072
الاسد الـــعـــمــــر : 26

جــــراح ســــاخنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: جــــراح ســــاخنه   جــــراح ســــاخنه I_icon_minitimeالأحد يونيو 05, 2011 3:14 pm

الله يبارك فيك ان شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hawks-alaneen.yoo7.com
 
جــــراح ســــاخنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الاقسام الادبية :: قسم الرويات والقصص-
انتقل الى: